بقلم: البروفيسور عوزي اورنان
في كل لغة يوجد فرق بين اللغة الفصحى وبين اللغة العامية، ولكن اللغة العامية تتغير من جيل الى آخر، وفي اعقابها تتغير اللغة الفصحى ايضاً. لذلك في معظم اللغات، لكن وليس في جميعها، تتقلص الفروق بين اللغة المحكية وبين اللغة المكتوبة.
كانت اللغة اللاتينية لغة الحديث ولغة الكتابة في بلاد الامبراطورية الرومانية، وبقيت لغة الكتابة والصلاة حتى بعد ان لم يعد اي شخص يتحدث بها في اعقاب خراب الامبراطورية الرومانية، وقد اصبحت اللغات المحكية بعيدة جداً عن اللاتينية المكتوبة والانسان البسيط، الذي اتقن اللغة المحكية فقط، لم يعد قادراً على فهم اللغة المكتوبة.
وهكذا تحولت اللغة اللاتينية من مصدر للمعرفة والثقافة الى حاجز لم يفلح الا القلائل في التغلب عليه.
في القرن الثاني عشر الميلادي قام كاتب ايطالي شجاع (دانتي اليچپيري) وقال:»بغية تقريب الشعب الى الثقافة يجب ايضاً البدء بكتابة اللغة التي نتحدث بها». وهكذا نشأت اللغة الايطالية. ومنذ تلك الفترة نشأت لغات مكتوبة اخرى بناء على اللغات المحكية.
قبل 051 عاماً كانت اللغة الدنماركية لغة الكتابة الوحيدة في النرويج. الى ان قام شاب دانمركي (ايبار آسان) ونادى بوجوب البدء بالكتابة باللغة العامية النرويجية. وهكذا نشأت لغة مكتوبة جديدة، هي اللغة النرويجية، في اعقاب اللغة التي تحدث بها ابناء الدانمارك.
المثير في الامر ان جميع الشعوب الاسكندنافية (الدانمارك، السويد، النرويج وايسلندا) بامكانهم التحدث مع بعضهم البعض بينما ومنهم ما يدور، يتحدث كل منهم بلغته هو.
في العديد من الدول هنالك لهجات تعتبر جزءاً من «نفس اللغة» ولكن في الدول الاسكندنافية تعتبر كل لهجة لغة قائمة بذاتها. وهذا لا يمنع جميع الاسكندناڤيين من اعتبار انفسهم جزءاً من الكيان الاسكندناڤي المشترك الذي يحظى باحترامهم جميعاً.
ان الميزة والافضلية الكامنتين في الكتابة باللغة المحكية هما هائلتان. عندما يضطر الاطفال لتعلّم اللغة الفصحى فأنهم لا يكونون دائماً قادرين على فهم ما يقرأون، وذلك لأن اللغة الفصحى غريبة عنهم وبعيدة عن اللغة التي يتحدثون بها مع افراد العائلة ومع اصدقائهم. ويجد الاطفال صعوبة بالغة في كتابة ما يفكرون به. وليس بإمكان كل واحد ان يكتب حتى جملة بسيطة. في عصر النهضة، بعد البدء بالكتابة باللغة المحكية في اوروبا، بدأ التقدم الهائل والسريع في اوروبا في مجالات العلم، الادب والثقافة عامة.
وما العجيب في ذلك؟ اللغة المكتوبة هي وسيلة بواسطتها يستمد الانسان معلومات من الكتاب او الصحيفة، وبواسطة هذه الوسيلة يستطيع الانسان ان يعبر عن ارائه خطياً.
اذا كانت اللغة المكتوبة بعيدة عن اللغة التي يتدحث بها الطالب والتي يعرفها منذ ولادته، فأن هذه اللغة لا تستطيع ان تمنحه المعلومات التي من المفروض ان يستمدها ويستوعبها. اذا اعطيْت لولد صغير نصوصاً قديمة، لا يفهم كلماتها، فأن دراسته تكون عبارة عن حفظ عن ظهر قلب وليس فهماً حقيقياً للأمور.
ولكن اذا كانت الدراسة الاولى له في اللغة التي يتدحث بها، فأنه سيفهم القصة التي امامه ويعرف جيداً ماذا يريد منه المعلم، لان القصة مكتوبة باللغة التي يعرفها ويستطيع كتابة موضوع الانشاء بكلمات بسيطة ومعروفة له، اي بكلمات سمعها من والديه واصدقائه.
عندما افكر بالاولاد الذين سيدخلون الى المدارس في الايام القليلة القادمة، فأنني اشعر بالاسف لأن كثيرين من المربين والمعلمين لا يقدّرون اللغة المحكية، كما يجب، ولا يدركون مدى قدرة الاطفال في النمو والتطور اذا كانت بداية دراستهم باللغة العربية المحكية، وهي لغة غنية وجميلة ويستطيع كل ولد ان يعبر بواسطتها عن كل ما يجول في خاطره.
ولاحقاً، في الصفوف الاعلى، بامكان الطالب تعلم اللغة العر بية الفصحى، وعندها تكون دراسته موفقة اكثر.
نرحب بتعليقاتكم وارائكم على المقال...
ترجمة: مصطفى عباس |